بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد:
كثر الحديث وكثرت التعليقات وكثرت الشائعات عن ما يسّمى بزواج الأقارب وزواج الأباعد فلندع أفكارنا تخضع للحقيقة المثبتة بالدراسات العلمية والأدلة التي جاءت في القرآن الكريم و الّدين الإسلامي الحنيف فقد شرع الله تعالى النكاح وجعله من سنن المرسلين وذلك لما يترتب عليه من مصالح عظيمة كتكاثر الأمة وخروج العلماء والمجاهدين والصالحين والمتصدقين وتقوية أواصر الألفة والمحبة بين المسلمين بالنسب والمصاهرة مع ما فيه من مشاعر السكن والمودة والرحمة والعواطف الإنسانية التي تكون بين الزوجين ولم تأتي آية أو حديث صحيح بالمنع من زواج الأقارب بل قد جاءت الأدلة الشرعية بخلاف هذا قال الله عز وجل
يا أيها النبي إنا أحللنا لك من أزواجك اللاتي آتيت أُجورُهن وما ملَكَتْ يمينُك مما أفاء الله عليك وبناتِ عمِكَ وبناتِ عمّاتِكَ وبناتِ خالِكَ وبناتِ خالاتِكَ اللاتي هاجرنَ معك
الأحزاب/50
وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش وهي ابنة عمته وزوج أيضاً ابنته فاطمة من ابن عمه علي ابن أبي طالب رضي الله عنهما مما يدل على أنه لا حرج من زواج الأقارب
وعلى هذا فمنع زواج الأقارب أو القول بأنه السبب في إنجاب جيل مشوه أو مريض فهذا كلام غير صحيح قطعاً وقد أثبت العلماء ذلك وقد شاع خطأ اليوم في بعض المجتمعات وحتى عند بعض الأطباء
فبعض العائلات أصبح لديها قانون بمنع زواج الأقارب وبعض العئلات أصبح لديها قانون بمنع زواج الأباعد وكليهما خطأ اجتماعي فادح
فالشاب أو الفتاة في سن الزواج بالطبع سيكون في العقل السليم وقادر على التفكير فلا يصح من العائلة إجباره على تغيير رأيه سواءاً الشاب أو الفتاة
نعم قد يوجد في زواج الأقارب أو غيرهم شيئاً من ما يسبب بعض الأمراض الوراثية ولكنه ليس أمراً غالباً بل يبقى في حدود القليل أو النادر
وفي هذا يقول الدكتور أحمد شوقي ابراهيم استشاري الأمراض الباطنية والقلب ورئيس لجنة الإعجاز العلمي بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالسعودية:
"إذا نظر أي عالم نظرة متأنية في أبعاد هذا الموضوع لوجد أن القول "بأن زواج الأقارب يعطي الفرصة لزيادة الأمراض الوراثية في الذرية" ليس قولاً صحيحاً في كل الأحوال قد يكون صحيحاً في حالات معينة ولكنه ليس صحيحاً في كل الأحوال لذا لا ينبغي أن يكون قانوناً عاماً أو قاعدة عامة كما قال: نجد أنه حتى في الأمراض المحكومة بجيمات متنحية لا تفضيل لزواج الأقارب على زواج الأباعد ولا لزواج الأباعد على زواج الأقارب ولو كان في زواج الأقارب ضرر مؤكد لَما أحله الله لرسوله وأشار إليه صراحةً في الزواج من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته" انتهى كلام الدكتور
ولكن إذا ثبت شيء من ذلك بالتحاليل الطبية أو الكشوفات والأشعات أو بمعرفة الجيمات الوراثية وطبيعة المرض ونحو ذلك وأوصى الأطباء بالامتناع عن الزواج من القريبة بصورة مخصوصة وليس قاعدة عامة فلا حرج في ترك الزواج من هذه الفتاة القريبة بعينها أما أن يتخذ هذا الأمر قاعدة عامة ينهى به عن الزواج من الأقارب فهذا تصرّف غير صحيح.
وقد سُئل الشيخ صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة حفظه الله:
"ما رأيكم في من يرى منع زواج الأقارب ويرى أن زواج الأقارب يسبب أمراض عديدة تصيب الجيل الجديد منها التخلف العقلي وهل يعرضان الشاب والفتاة الَّذان يريدان الزواج نفسيهما على الطبيب ليحدد ما إذا كان يمكن الزواج أو لا"
فأجاب:
"لا شك في أن الأصل هو الجواز والإباحة بل في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أسوة وأعظِم بها من أسوة حين زوج ابنته فاطمة من علي ابن أبي طالب رضي الله عنهما وعن نسلهما وهي بنت ابن عمه وهم أقارب فلا شك في الجواز ولا أحد يقول أنه غير جائز لكن القضايا الطبية والمعينة وهذه تبدو لي قضايا عينية أما أنَّ القاعدة كلها: منع زواج الأقارب فهذا غير جائز والفقهاء لهم كلمة قريبة من هذه فهم يقولون: الزواج من القريبة أصبر والزواج من البعيدة أنجب أي أن الزواج من القريبة أصبر لأنها تصبر عادةً وتتحمل كثيراً والمحافظة على الرحم والمحافظة على القرابة تجعلها تتحمل كثيراً أما الزواج من الغريبة أنجب بمعنى الطفل يكون أكثر نجابةً"
فإذا كان هناك في العائلة مرض وراثي فيجب على الشاب والفتاة إجراء التحاليل للعامل الوراثي قبل الزواج للتأكد من توافر العامل الوراثي فيهما فربما يكونا خليان منه
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية :
"ليس هناك أحاديث صحيحة تمنع من الزواج بين الأقارب وحصول الإعاقة إن ما يكون من قضاء الله وقدره وليس سببه الزواج بالقريبات كما يشاع ولا يجوز منع الإنجاب خوفاً من الإعاقة
بل يجب التوكل على الله سبحانه وإحسان الظن به
كما أن الدراسات أثبتت معدلات زواج الأقارب في الوطن العربي كما يلي:
في السعودية 57.7% وهي الأكبر بين دول العالم في معدلات زواج الأقارب
في الكويت تبلغ نسبة زواج الأقارب إلى 40% من إجمالي الزيجات
بين ما في فلسطين تصل إلى 49%
كما تصل في مصر إلى 38%
كما بلغت 48% في سوريا
وتنخفض نسبة زواج الأقارب في الدول الغربية لتصل إلى 2% في أمريكا مثلاً وهذا ما دعا بعض الناس إلى إشاعة المخاوف المبالغ فيها تقليداً للغرب
وبعض الدول أصبح لديها تحليل الوراثة محتم قبل الزواج في المحكمة ففي سوريا مثلاً على المتزوجين حصراً يجب أن يقوموا بالتحاليل اللازمة قبل عقد القران في المحكمة وهذا شيء جميل جداً وصحي
فزواج الأقارب لا يعني دائما أنه خطراً على الأولاد من الأمراض الوراثية إز إن بعض الناس يعتقدون أنه لا بد أن يؤدي إلى أطفال مشوهين أو مرضى بأمراض الوراثية وأن جميع الأمراض الوراثية سببها زواج الأقارب وهذا خطأ شائع فإذا افترضنا من هذه الناحية فقد يكون لزواج الأقارب فائدة في بعض الحالات فإذا وجدت صفة وراثية جيدة بالعائلات مثل الذكاء أو الجمال أو غيرها من الصفات المرغوبة وهو قد كما تحدثنا قد يكون له آثار سيئة في حال كان هناك مرض وراثي منقول يحمله الشاب والفتاة الراغبين بالزواج
ففي بعض المجتمعات الغربية تمنع زواج الأقارب منعاً باتاً خشية هذا الأمر
وفي بعض المجتمعات الأوروبية الغربية أيضاً تنخفض نسبة زواج الأقارب إلى 0.5% وإذا رغب أحد بالزواج من أقاربه يبدأ بزيارة أطباء الوراثة
كما أن كثير من العاملين في الصحة عند ما يروا طفلاً مريضاً من أب وأم أقارب يجزمون بشكل مباشر بأن السبب يرجع إلى القرابة بينهم وهذا أمر غير صحيح وقد أُثبِت ذلك بالدراسات العلمية في كثير من الأحيان
ويجب علينا تجنب التعليقات السلبية التي قد تؤذي جميع أفراد العائلة الكبيرة وتزعزع استقرار هذه العائلات التي تتوقع المساعدة والمساندة لها فالنظرة إلى زواج الأقارب يجب أن تكون علمية أكثر وبعيدة عن التحيز والتقليد لبعض المجتمعات ففي المجتمعات التي تتطبّق زواج الأقارب فيرون إيجابياته أكثر من سلبياته وفي المجتمعات التي تمنعه فلا يرون له أية إيجابيات بل يرونه مليئ بالسلبيات
وحتى يستجيب الناس للنصيحة يجب أن نبتعد عن انتقاد أسلوبهم في الحياة خاصةً عند ما يرون أن أغلبية أولادهم الناتجين عن زواج الأقارب بحالة سليمة ولا يعانون من أية أمراض وراثية وأن العئلات التي تمنع زواج الأقارب قد تنجب أولاد بهم أمراض وراثية إز قد يكون سبب إنجاب أطفال مرضى مشاكل حدثت أثناء الحمل أو أثناء الولادة أو الإصابة بالإلتهابات وغيرها
يقول العالمان الأمريكيان ropert و henry
منع زواج الأقارب يعد أمراً بالياً حيث يرى الباحثان الخطأ في منع زواج الأقارب حيث أنه لا يكون المنع سببه حقيقياً في معظم الأحوال بل إن الأمراض الوراثية قد تنجم عن زواج غير الأقارب أيضاً وبنسبة تقترب من نسبة زواج الأقارب
وبالفعل فمع النظر إلى الفحوص ثبت بأن النسب المرضية تنعدل بعد الفحص الوراثي الإيجابي بل وقد لا تتوفر
حتى مع الفحص السلبي فالنتيجة السلبية قد لا تكون مخيفة كما يظن البعض أو يهول من شأنها فهناك بعض العوامل الوراثية لا تؤثر سلباً على الأطفال
ويقول أحد الأطباء المصريين حين سئل عن مشكلة جنسية كثيراً ما تحدث لدى بعض الشباب المراهقين الذين يكون لديهم شيء من الخجل فيستحون من السؤال عن بعض الأمور فيفعلون أموراً يظنون بها أنهم يفعلون ذلك حفظاً لفروجهم وتحصيناً لها وتكون هي مؤذية للشاب عند الزواج :
فأجاب الطبيب بالوصفة الطبية ونصحه بالزواج من قريبة له ما لم يكن بينه وبينها عامل وراثي سلبي مشترك وعلل ذلك بأنه في حالة الزواج بين الأقارب يتم إفراز بعض الإفرازات والهرمونات تزيد من تعلق الزوجين ببعضهما ويتم إفراز بعض المفرزات التي تساهم في حل المشكلة الجنسية الموجودة لدى الرجل
إضافةً إلى ما ذكرنا في هذا البحث نتساءل:
لو كان زواج الأقارب مخيفاً إلى هذه الدرجة التي يتحدث عنها البعض لماذا لم يرد ذلك في الدين الإسلامي الحنيف؟
قد يجيبني البعض بأن يقول:
الآن ظهرت أمراض لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
ونحن نجيب بسؤال:
ألا يعلم الله جل وعلى أنها ستظهر الأمراض الموجودة في عصرنا الحاضر؟؟
إن الله بكل شيءٍ عليم فهو سبحانه يعلم ما كان وما سيكون
ونجيب أيضاً بأن نقول:
لو كان الأمر مخيفاً إلى هذا الحد لأخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولورد ذلك في الدين الإسلامي الحنيف
وأخيراً نختصر البحث بجملتين:
لا يصح منع الزواج بين أي شاب وفتاة سواء كانوا أقارب أو أباعد إلا بعض التحاليل الطبية والتأكد من وجود عامل وراثي خطير يحمله الإثنين معاً ومن النادر أن يحدث ذلك ولا يجوز اتخاذ المنع من زواج الأقارب قانون عام في العائلة لأنه لا يحق لأي بشر في الأرض أن يحرم ما أحله الله ورسوله في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
هذا وما كان من توفيق فمن الله وما كان من تقصير أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان راجين للجميع الحياة السعيدة والكريمة والسليمة والخالية من الأمراض ونسأل الله جل وعلى أن ينقي هذه الأمة الإسلامية من هذه الأمراض إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين
موضوع: زواج الأقارب نعمة أم نقمة 
الجمعة أغسطس 19, 2011 6:58 pm
